مرشدي

الصحة النفسية عبر التاريخ

10:52 AM | 19-12-2024

لو كتبت مصطلح "الصحة النفسية" في محرك البحث، ستظهر أمامك أرقام مذهلة. مليارات النتائج التي تدل بلا شك أن هذا المفهوم أصبح جزءاً لا يتجزأ من حديث العصر.
لم يعد الاهتمام بالصحة النفسية ترفاً أو خياراً، بل صار ضرورة معترفاً بها. ترى المؤثرين والمشاهير يفتحون قلوبهم للعالم، يتحدثون عن صراعاتهم دون خجل. من بيلي آيليش وسيلينا غوميز إلى منى زكي وإليسا وغادة عبد الرازق... الكل، في الشرق والغرب، بات يردد الرسالة ذاتها: "لست وحدك!"

لكن، مهلاً...
هل كانت الأمور دومًا هكذا؟
متى بدأ الإنسان يرى أن ما بداخله يستحق العناية والاهتمام؟

وفقاً لتعريف منظمة الصحة العالمية، الصحة النفسية هي حالة من العافية التي تدفع الإنسان ليعرف نفسه، ويقاوم ضغوط الحياة ويعمل بإنتاجية ويُسهم في مجتمعه.
وبكلمات أبسط، حين تكون بخير داخلياً تكون حياتك أكثر اتزاناً وامتلاءً.

لكن، لو عدنا بالزمن...
سنجد أن هذا الفهم لم يكن وليد اليوم.
في الحضارات القديمة، كحضارة الفراعنة، كان يُعتقد أن الأمراض النفسية غضب من الآلهة، وكان العلاج حينها روحياً لا طبياً.
وفي أوروبا العصور الوسطى، نُظر إلى هذه الأمراض على أنها لعنة أو مسّ شيطاني، وعولج أصحابها بالتعذيب أو العزل في المصحات، كما حدث في مستشفى "بيثلم" الشهير في لندن، الذي كان رمزاً للمعاناة خلف الأبواب المغلقة.

أما في الهند، فقد كان يُرى أن ما يعانيه الإنسان من اضطرابات هو عقاب عن أفعال ارتُكبت في حياة سابقة.
هكذا، تنوعت المعتقدات، واختلطت بالخرافات والخوف من المجهول.

ثم جاء عصر النهضة، وبزغت أنوار التغيير.
بدأت النظرة تتبدل تدريجياً، وأصبح المرض النفسي ظاهرة تحتاج إلى فهم لا إلى عقاب. كتب الفلاسفة مثل جون لوك وتوماس هوبز عن النفس والسلوك، لكن الوصمة ظلت تثقل كاهل المرضى، وظل المجتمع متردداً في تقبّلهم.

وفي القرن التاسع عشر، مع ازدياد ضغوط الحياة الحديثة، تصاعدت وتيرة الاضطرابات النفسية. حتى قادة العالم لم يسلموا، كما في قصة الملك جورج الثالث الذي أثّر اضطرابه النفسي على مجريات السياسة والحروب.

لكن التحول الحقيقي بدأ مع فيلهلم فونت، الذي افتتح أول مختبر لعلم النفس في ألمانيا عام 1879.
كانت تلك اللحظة بداية عهد جديد، حيث خرجت الصحة النفسية من ظلام الجهل إلى نور العلم؛ فظهرت مدارس جديدة مثل علم النفس السلوكي وعلم النفس المعرفي، وقدمت لنا مفاهيم لا تزال جزءاً من حياتنا اليومية حتى الآن.

من الارتباط الشرطي عند بافلوف إلى التعزيز لدى سكينر، تعلمنا كيف تؤثر تجاربنا فينا وكيف يمكن تعديل السلوك وتجاوز الصعوبات النفسية.

واليوم، لم تعد الصحة النفسية مفهوماً نخجل من ذكره، بل أصبحت حجر الأساس الذي يقوم عليه صفاء الحياة وجودتها.

هناك مئات الآلاف من الأطباء والأخصائيين حول العالم، وملايين من البشر يسعون لفهم أنفسهم، والتصالح مع ذواتهم.

فلماذا لا تكون أنت من بينهم؟
ابدأ رحلتك نحو السلام الداخلي. راقب أفكارك، تحلَّ بالرحمة تجاه ذاتك، ولا تخشَ طلب الدعم حين تحتاج إليه، فكل خطوة واعية نحو ذاتك.. هي في الحقيقة خطوة نحو حياة أهدأ وأكثر سعادة!

#ابدأ_بوعيك




7
14
التعليقات

لا توجد تعليقات